مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن: الدرس السادس عشر: اجتناب الزنا ، للشيخ عمر مصطفي
مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن ، للشيخ عمر مصطفي 16 رمضان 1444 هـ –7 إبريل 2023م
الدرس السادس عشر
اجتناب الزنا
العناصر
أولاً : اجتنبـــوا أعظـــم الفـــواحــش
ثانياً : ما حرم الله شيئا إلا جعل له حمي
ثالثاً : من عســر زواجا فقد يســر زنا
لتحميل الدرس بصيغة word
لتحميل الدرس بصيغة pdf
الموضوع
الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :
أولاً : اجتنبـــوا أعظـــم الفـــواحــش
عباد الله : مازلنا مع صفات عباد الرحمن ومع صفة أخري ، وهي اجتناب الزنا ، قال تعالي : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (الفرقان68).
علم عباد الرحمن أن الله حرم الفواحش ماظهر منها وما بطن ومنها الزنا فاجتنبوه ، قال تعالي :{وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} (151) (الأنعام).إن من أعظم الفواحش التي حرمها الله في كتابه وعلي لسان رسوله صلي الله عليه وسلم فاحشة الزنا ، قال تعالي :{ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (32)(الإسراء).
إن الله حرم الزنا لأنه من أعظم المفاسد المنافية لما جاءت الشرائع من أجله من حماية الأنساب والحرمات ، وفي تحريم الزنا توقي أسباب العداوة والبغضاء بين الناس من إفساد كل منهم امرأة الآخر أو بنته أو أخته وفي ذلك خراب العالم ، ولما كانت مفسدة الزنا تلي مفسدة القتل والشرك قرنت بهما ، قال تعالي: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (الفرقان68).
عباد الله : إن الله حرم الزنا لمصلحة البشرية بل لمصلحة الشخص ذاته ، فإن الله ليس في حاجة ليحلل أو يحرم ولا تنفعه طاعة ولا تضره معصية ، لكنه يحلل الطيب ويحرم الخبيث ، ويبيح النافع ويحرم الضار ، فإذا حرم الزنا فلحماية الإنسان ليزكيه ويطهره ، فلا يكون عبداً لشهوة ولا تحركه غريزته ، بل يتحكم هو في هذه الغريزة ، يريد له أن يرتقي بإنسانيته ، ويسمو بأخلاقه.
حرم الله الزنا ليبقي المؤمن خالصاً له وحده ، لا لشىء آخر ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ)(صحيح البخاري). وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ، فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ»(سنن أبي داود). قال ابن عباس: الزاني ينزع منه نور الإيمان. وقال أبو هريرة: ينزع منه الإيمان، فيكون فوقه كالظلة، فإن تاب عاد إليه. وقال عبد الله بن رواحة وأبو الدرداء: الإيمان كالقميص، يلبسه الإنسان تارة، ويخلعه تارة أخرى.(جامع العلوم والحكم ).
حرم الله الزنا حماية لصحة الإنسان فإن هذه الغريزة لو أطلق العبد لها العنان ، وأصبح لا يتورع عن شىء ، ضعفت قواه وقل إيمانه ، وضاعت أخلاقه ، وعرض صحته للأمراض التي تنتقل عن طريق هذه الفاحشة والعياذ بالله ، ولقد سلط الله هذه الأمراض الخطيرة علي مرتكبي الفواحش وخاصة الزنا عقوبة لهم ، ولقد حذرنا نبينا صلي الله عليه وسلم من ذلك فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا)(سنن ابن ماجة).
فالإسلام حينما حرم هذه الفاحشة حرمها لمصلحة الشخص ذاته ثم لمصلحة الأسرة والمجتمع .
ثانياً : ما حرم الله شيئا إلا جعل له حمي
عباد الله : إن الله ما حرم شىء إلا جعل له حمي يحيط به فينبغي للعبد أن لا يقترب من هذا الحمي قال تعالي : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا }(32)(الإسراء) ، والنهي عن قربانه أبلغ من النهي عن مجرد فعله لأن ذلك يشمل النهي عن جميع مقدماته ودواعيه فإن: ” من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ” خصوصا هذا الأمر الذي في كثير من النفوس أقوى داع إليه ، ووصف الله الزنى وقبحه بأنه {كَانَ فَاحِشَةً} أي: إثما يستفحش في الشرع والعقل والفطر لتضمنه التجريء على الحرمة في حق الله وحق المرأة وحق أهلها أو زوجها وإفساد الفراش واختلاط الأنساب وغير ذلك من المفاسد ، وقوله: {وَسَاءَ سَبِيلا} أي: بئس السبيل سبيل من تجرأ على هذا الذنب العظيم.(تفسير السعدي).
فالإسلام نهي عن الزنا ، وعن كل ذريعة توصل إليه ، أو تقرب منه ومنها:
أمر الرجال والنساء بغض البصر قال تعال :{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}(النور).
أي قل يا محمد لأتباعك المؤمنين يكفوا أبصارهم عن النظر إلى الأجنبيات من غير المحارم، فإن النظرة تزرع في القلب الشهوة، ورُبَّ شهوة أورثت حزناً طويلاً
كم نظرةٍ فتكت في قلب صاحبها … فتك السهام بلا قوس ولا وتر
{وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ} أي يصونوا فروجهم عن الزنى عن الإِبداء والكشف {ذلك أزكى لَهُمْ} أي ذلك الغضُّ والحفظ أطهرُ للقلوب، وأتقى للدين، وأحفظ من الوقوع في الفجور {إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} أي هو تعالى رقيبٌ عليهم، مطلعٌ على أعمالهم، لا تخفى عليه خافية من أحوالهم، فعليهم أن يتقوا الله في السر والعلن قال الإِمام الفخر: فإن قيل فلم قدم غضَّ الأبصار على حفظ الفروج؟ قلنا: لأن النظر بريد الزنى، ورائد الفجور، والبلوى فيه أشدُّ وأكثر، ولا يكاد يُحترس منه {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} أي وقل أيضاً للمؤمنات يكففن أبصارهم عن النظر إلى ما لا يحل لهن النظر إليه، ويحفظن فروجهن عن الزنى وعن كشف العورات، قال المفسرون: أكد تعالى الأمر للمؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج، وزادهن في التكليف على الرجال بالنهي عن إبداء الزينة إلا للمحارم والأقرباء.(صفوة التفاسير).
ومنع الخلوة بالمرأة لأن ذلك مدعاة لإغواء الشيطان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّهُ: سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ»، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ»(صحيح البخاري).
ثالثاً : من عســر زواجا فقد يســر زنا
عباد الله : إن الإسلام ليس ضد هذه الغريزة ، لأن الله هو الذي جعلها في الإنسان لحكمة ، كي تعمر الأرض ، لذلك لم يقف الإسلام ضدها ولم يتركها بلا ضابط ، بل جعل لها سبيلاً شرعياً هو الزواج ، ومن هنا حرم الإسلام الزنا وأباح الزواج ، وحرم السفاح وأحل النكاح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(صحيح البخاري).
وقال الله تعالي :{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(32)(النور).
فالزواج هو السبيل لتحصين الإنسان ضد الوقوع في هذه الفاحشة ، فينبغي أن نيسر أمره ، لأنه كما قالوا من عسر زواج فقد يسر زنا ، وشتان بين الحلال والحرام .
والنبي صلي الله عليه وسلم رغب في الزواج ، وحث علي تيسيره ، ونهي عن وضع العقبات في طريقه ، ولكن الكثير من الناس أصبحوا يعسرون بأفعالهم السيئة وتصرفاتهم المشينة ، فبعضهم يغالي في المهور ، والتجهيزات ، وغير ذلك مما يعد تعسيراً ومعوقاً من المعوقات . قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا»(صحيح البخاري).
والنبي صلي الله عليه وسلم جعل الخيرية مقارنة للتيسير قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ»(سنن أبي داوود) ، وقال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا وَتَيْسِيرَ رَحِمِهَا » (مسند أحمد).فاللهم اجعلنا من الميسرين ولا تجعلنا من المعسرين .
اللَّهُمَّ ارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي